الخميس، 23 يونيو 2016

عن مصر بلا حصر

عن مصر بلا حصر
المغرب / مصطفى منيغ

الكتابة بالنمط التقليدي القديم لم تعد تنفع، لاهي قادرة على جر الباطل من قفاه ولا لمستلزمات الحقيقة تجمع، كلمات ملحقات بتعابير لا تلامس الواقع بالقطع، بل ثرثرة محتشمة على بياض ورق غير مقتني بعرق بل منثور بين مطارح سلطة هنا وأخرى هناك على امتداد عالم عربي لحرية الرأي عطش وجاع ، تُبْصِرُ من خلالها تسابق جمل الانبطاح على بلاط بالسوط يبدو للعيان يلمع ، مبلل بعَبَرات عبيد يقضون عمرهم على تنظيفه حيال مرور نعال مستوردة من جور مصاصي حقوق الانسان ما دام التسلط على الرقاب لحكمهم يصنع ، كلمات لحروف العلة معانقة حتى تتظاهر بميزة الشبع. المذكر فيها طائع ، والمؤنث بماضي دون مضارع، عن غير اعتراف "بفقه اللغة" ولا "نحو" ولا "سيبويه"ولا "ابن عاشر" ولا هم يحزنون، فقط التكالب على أخذ الريع . ليظل طيشها ربيعا  عاشقا للقبح في دنا مهما شاخ الانسان بين جبابرتها بقي في أعين سلطة معينة مجرد مولود بدل الحليب للخوف يرضع ، إن صرخ أُغلِقَ فمه بكلمة "بئس" تطارده من إدارة إلى أخرى حتى يكتنفه الضياع.
الكتابة عليها أن تتطور لتصبح المِعْوَلَ والسيف والخنجر والمدفع ، لا يهمها في الحق عواء ذئب ولا زئير أسد في حديقة محروسة بأغلى دفع ، من طرف المحافظين فيها على سرية إعادة الكرات لتطبيق نفس النهج المصطنع ، ابقاءا على رؤوس أقلام حبرها ملوث لإنتاج كتابات تمجد الهش وتنحني لرياح الغش وتُساهِمُ ليكون لعِصِيِّ القمع أضخم مصنع.
الكتابة نعمة متى استُحسن استعمالها لغة تستمد قوتها من إيمان الكاتب بوجوب أهليته خدمة للعدل والمساواة بين بني الأمة الواحدة بما يعي به العقول ويوضح من حقائق هادفة لاتخاذ القرارات الصائبة ، وأيضا نقمة لمن باع تخريفه وخروجه عن النص أو التغطية بثمن يورطه آجلا أو عاجلا ويقيمه حيث السخرية ترافقه واللعنة تلاحقه ليدفن ما تبقى فيه من تحدي سلبي في مستنقع تُشمّ رائحته الصادمة للأنوف من مسافات تصل أمصارا في قارة أو أبعد.
الكتابة تاريخ لموقف وإعلان عن بروز تفكير في قضية متوقفة على حل ما علق بين أجزائها من مشاكل ، ومتابعة متواصلة لإشعار الرأي العام بما جد فيها أو حولها ليدرك الجميع أن أمور المعالجة المتبعة في هذا البلد سليمة أم يعتريها الغموض ويتدبر شؤونها من لا ينفذ القوانين المعمول بها مهما كان المجال المعني.
الإساءة إلى العزيزة مصر دولة وأمة شيء غير مقبول ، أعرفُ قيمة مصر ، ولن أنسى الدور الذي لعبته لتحرير بعض الأقطار العربية من نيران الاحتلال الغاشم وبخاصة جزائر المليون ونصف المليون شهيد ، والريادة التثقيفية التي اطلعت بها مصر العروبة الصادقة وهي تلقن نجباء الأمة العربية من المحيط إلى الخليج أسس الكتابة المعبرة عن الحق في أسمى معانيه ، وأيضا النموذج الذي مثلته بالنسبة لشرفاء تمنوا منذ سنوات ربيعهم المشبع حماسا مسؤولا عاقلا معقولا الاتسام بتلك القيم الرفيعة الجاعلة من الانسان العربي حرا مبتكرا مبدعا منتجا قادرا على التعبير الواضح الصريح الفارض به وجوده الايجابي في محيط عالمه الصغير داخل وطنه . مصر دولة قوية لا تتأثر بسهولة لكنها تؤثر وبسهولة أكيدة لأنها الأكبر إن أردنا الحديث عن مجالات الحضارة والفقه والجمال ، استطاعت عبر تاريخها المعطر بكفاحها الأسطوري الخروج من أي محنة تعرضت إليها لظروف مصطنعة وراءها من ظن مصر لقمة صائغة وهي العلقم في حناجر من أراد ازدراد أي شيء بعيدا عن موافقتها ، خاضت معارك شرسة لتنتصر في الأخير انتصارا مدويا يُلقن كإستراتيجية عسكرية في كليات حربية  متخصصة عبر العالم .
لم أكن أعلم أن الأرض تتحدث عربي إلا عن طريق سماعي لأغنية الفنان الراحل سيد مكاوي ، لكن لما زرت مدينة "القناطر الخيرية" وأقمت فيها ردحا من الوقت سمعتُ بإحساس المحب لمصر أن ثراها لا يتحدث عربي وحسب بل تنبعث منه رائحة الطيب ، ولطالما تمعنتُ عن كثب في "نيل" يعانق الضفة المقام فوقها "الشاليه" الذي اتخذتُهُ مسكناً لي طيلة تلك المرحلة الهامة من حياتي ، لأغوصَ بذاكرتي في قعره المهيب عساني أملؤها بما أستعين به في كتاباتي التاركة الأثر الطيب في نفوس قارئيها عبر مساحات تواجد الناطقين بلغة الضاد على أصولها، ومن تلك اللحظة علمت كم هي عظيمة ارض الكنانة هذه ، يفوق كرمها حجم من في عالم جاحد يكرس جهده الفاشل لتضييق الخناق على من ستكون في النهاية حاضرة على نهايته .(وإلى الجزء الثاني)

مصطفى منيغ
مدير نشر ورئيس تحرير جريدة العدالة الاجتماعية
الكاتب العام لنقابة الأمل المغربية
صندوق بريد 462 ، المضيق ، المغرب
المحمول 00212675958539

الصورة : المهندس نصار يسلم مصطفى منيغ الميدالية الذهبية لمدينة القناطر الخيرية خلال حفل مقام خصيصا للمناسبة أواخر 1999 .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق